محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء والرسل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. أما بعد،
أجمعت الأمة الإسلامية على أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولا نبي بعده، ولكننا بين حين وآخر, نسمع عمن اغتر بنفسه، ووسوست له الشياطين بأنه نبي، وأغرب ما في الأمر هو تصديق هؤلاء لأنفسهم ومتابعة بعض الناس لهم على الرغم من سطحيّتها وتفاهتها، فكان لابد من استعراض الشبهات التي ينطلقون منها ويستندون إليها.
والمعرفة بالشريعة تحيل أن يكون نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن هؤلاء الدجالون، الكاذبون يحرفون الكلم عن مواضعه، ويؤولون القرآن والأحاديث بتأويلات فاسدة كاسدة خبيثه، ليضلوا الناس الجهلاء، ويغروا الناس الضعفاء بالمال تارة وبالجاه تارة أخرى، فنسوا أمر الآخرة وتمسكوا بالدنيا الفانية.
في هذا البحث أردت أن أبين بالدليل القاطع، والبرهان الساطع، والحجة الواضحة أنه لا نبي ولا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم. وأورد في ذلك الآيات والأحاديث التي تثبت عقيدة المسلمين في نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وتبين كفر وزندقة كل من يدعي النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
لأن ادعاء النبوة من أظلم الظلم، وأعظم الافتراء والكذب على الله تعالى، فلا أحد أعظم ظلماً، ولا أكبر جرماً ممن افترى على الله كذباً، فزعم أن الله أرسله، وهو ليس كذلك، ولقد قرر القرآن أن هذا الافتراء من صفات الكافرين المكذبين، الذين لا يؤمنون بآيات الله، ومن ثم فلا أحد أشد عقوبة منهم، فقد توعد الله تعالى من ادعى النبوة بالعذاب المهين. يقول الله تعالى:
(( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) (الأنعام:21). يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي لا أظلم ممن تقوّل على الله، فادّعى أن الله أرسله، ولم يكن أرسله، ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالاته إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (أي لا يفلح هذا ولا هذا، ولا المفتري، ولا المكذب).
وأول ما أبدأ به التفريق بين معنى "النبي" و "الرسول".
قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) الأحزاب آية 40.
ففي هذه الآية بيان واضح وبلاغة عظيمة في ذكر أن محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله، وهو أيضا خاتم النبيين، وهذا فيه دلالة واضحة على أن هنالك فرق بين النبي والرسول، وجاء لفظ الختم للنبي وليس للرسول لأنه أشمل في معنى الختم منه لو قال خاتم الرسل، وتوضيح ذلك كالتالي:
اختلف العلماء رحمهم الله في الفرق بين النبي والرسول، وجمهور العلماء على أن النبي هو من أوحي إليه من الله ولم يؤمر بالتبليغ، والرسول هو من أوحي إليه وأُمر بالتبليغ .
ولكن مع هذا الاختلاف فإنهم اتفقوا على أن الرسول أفضل من النبي، وأن الرسول قد حاز شرف النبوة وزيادة، ولذلك قالوا:
كل رسول فهو نبي، وليس كل نبي رسولا.
وبهذا يتضح أن كل ما ورد في أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده، أنه يدل على أنه لا رسول بعده أيضاً، لأنه لن يكون هناك رسول إلا وهو نبي، فلا يمكن أن يكون رسول بدون نبوه، فكان أبلغ في ختم الرسالة والنبوة.
ولو جاء النص على أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل، لم يكن هذا النص نافيا لوجود نبي بعده، لأنه يحتمل أن يوجد نبي وليس برسول.
لكن .. قد جاء النص بأن الرسول صلى الله عليه ومسلم هو خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده، فهذا ينفي وجود نبي بعده، وكذلك ينفي وجود رسول بعده.
قال ابن كثير رحمه الله :
"(ولكن رسول الله وخاتم النبيين) فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي ولا ينعكس". "تفسير ابن كثير" (3/645).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "وإذا كان خاتم النبيين فهو خاتم الرسل قطعاً، إذ لا رسالة إلا بنبوة، ولهذا يقال: كل رسول نبي، وليس كل نبي رسول" انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/250).
أما ما يقوله القاديانية أن معنى خاتم "أفضل" فهذه فيه تنقيص لمقام الرسالة، لأن أفضل الأنبياء لا يستلزم منه أنه أفضل الرسل، لأن مقام الرسالة مقدم على مقام النبوه. وظهر الآن فساد هذا المعنى اي أن معنى "خاتم هو أفضل".
ثانياً: معنى كلمة "خاتم" عند علماء اللغة العربية.
قال ابن جريرة في تفسيره: " لا وجه للختم في كلام العرب إلا الطبع والفراغ" وهذا واضح وبيّن من كلام العرب.
يقول الفيروز آبادي في القاموس "عاقبة الشيء وآخرته كخاتمته وآخر القوم كالخاتم".
جاء في لسان العرب ( 12/163 ) لإمام اللغة ابن منظور: " وخِتامُ القَوْم وخاتِمُهُم وخاتَمُهُم آخرُهم عن، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - خاتِمُ الأَنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام، والخاتِم والخاتَم من أَسماء النبي صلى الله عليه وسلم وفي التنزيل العزيز: { ما كان محمد أَبا أَحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتِمَ النبيّين }: أَي آخرهم ".
نعم، قرآءة متواترة بالكسر أي "خاتِم" و"خاتَم" بالفتح، فإذا كان بوسع أهل الباطل ادّعاء المجاز في قوله تعالى:
{ وخاتَم النبيّين } بالفتح، فلن يكون بوسعهم تأويل القراءات المتواترة والواردة بكسر التاء: { وخاتِم النبيّن } لا سيّما وأنها قراءة الجمهور عدا حفص أي أن القرآءة بالكسر هي قرآءة الأكثر، والأمر المعروف بين أهل التفسير أن اختلاف القراءة يعطي الكلام دلالة وتوسيعا في المعنى أو توضيحاً له، وقراءة الجمهور نصٌّ في إثبات ختم النبوّة، فكيف يسعهم الإجابة عن ذلك ؟ .
وفي تاج العروس (ص : 7687 ) ما نصّه : " والخاتم من كل شئ عاقبته وآخرته، و الخاتم آخر القوم كالخاتم، ومنه قوله تعالى : { وخاتم النبيين } أي آخرهم ".
وفي معجم المقاييس لابن فارس ( 2/200 ): " (ختم) الخاء والتاء والميم أصلٌ واحد، وهو بُلوغ آخِرِ الشّيء. يقال خَتَمْتُ العَمَل، وخَتم القارئ السُّورة. فأمَّا الخَتْم، وهو الطَّبع على الشَّيء، فذلك من الباب أيضاً؛ لأنّ الطَّبْع على الشيءِ لا يكون إلاّ بعد بلوغ آخِرِه، في الأحراز. والخاتَم مشتقٌّ منه؛ لأنّ به يُختَم، والنبي صلى الله عليه وسلم خاتَمُ الأنبياء؛ لأنّه آخِرُهم " .
وجاء في تهذيب اللغة للأزهري :((وقوله جلَّ وعزَّ:( مَا كانَ مُحَمّدٌ أبَا أحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ولكنَّ رسول اللهِ وخَاتِمَ النَّبِيِّين) معناه: آخر النَّبيِيِّن. )) (2/474).
وفي كتاب العين للفراهيدي 4-241-242 "
ختم :خَتَم يختِمُ خَتْماً أي : طبَع فهو خاتِم
والخاتَمُ : ما يوضع على الطينة اسم مثل العالم والخِتام : الطين الذي يُخْتَم به على كتابٍ
ويقال هو الخَتْم يعني : الطين الذي يختم به وخِتامُ الوادي : أقصاه
ويقرأ ( ( خاتِمهُ مِسكٌ ) ) أي خِتامه يعني عاقبته ريحُ المِسك ويقال : بل أراد به خاتَمَه يعني خِتامَه المختُوم ويقال: بل الخِتام والخاتم ها هنا ما خُتِمَ عليه،
وخاتِمة السورة : آخرها، وخاتِمُ العمل وكل شيء : آخرُهُ
وخَتَمتُ زرعي إذا سقيتُه أول سقيةٍ فهو الخَتْم والخِتامُ اسم لأنه إذا سُقي فقد خُتِمَ بالرجاء
وخَتَموا على زرعهم خَتْماً أي سقوه وهو كَرابٌ بعدُ"
وقال اللغوي المعروف أبو البقاء " وتسمية نبينا خاتم الأنبياء لأن الخاتم آخر القوم، قال الله تعالى "مَا كانَ مُحَمّدٌ أبَا أحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ولكنَّ رسول اللهِ وخَاتِمَ النَّبِيِّين" (كليات أبي البقاء).
وقال الإمام راغب الأصفهاني:"خاتم النبيين ختم النبوة أي تممها بمجيئه" ( المفردات-للأصفهاني ص 142 ط مصر).
ويقول الامام زبيدي " ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم الخاتِم، والخاتَم، وهو الذي ختم النبوة بمجيئه" (تاج العروس).
ويقول الجوهري في الصحاح: "خاتمة الشيء آخره ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء".
هذا ما قاله أئمة اللغة العربية وعارفوها، وليس قول أعجمي خطؤه في اللغة أكثر من صوابه، ونقلت من أهم قواميس العربية ومعاجهما، وكلهم ينصّون على أن معنى الخاتم "الآخر" فلا أدري كيف يدعي أناس لا يعرفون شيئاً من اللغة العربية أن الخاتم ليس معناه آخر بل معناه أفضل، وفيه ما فيه من مخالفة لقواعد اللغة العربية، وأقوال المفسرين في قوله تعالى " مَا كانَ مُحَمّدٌ أبَا أحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ولكنَّ رسول اللهِ وخَاتِمَ النَّبِيِّين". فهذا جهل واضح وافتراء كبير على كتاب الله تعالى.
ثالثا أنقل إليكم أقوال أئمة التفسير في هذه الآية:
يقول الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره لهذا الآية: ولكن ورسول الله وخاتم النبيين أي آخرهم. (نفسير ابن جرير).
وقال الإمام ابن كثير في تفسيره: "وَلَكِنْ رَسُول اللَّه وَخَاتَم النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيمًا " كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " اللَّه أَعْلَم حَيْثُ يَجْعَل رِسَالَته " فَهَذِهِ الْآيَة نَصّ فِي أَنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْده وَإِذَا كَانَ لَا نَبِيّ بَعْده فَلَا رَسُول بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى لِأَنَّ مَقَام الرِّسَالَة أَخَصّ مِنْ مَقَام النُّبُوَّة فَإِنَّ كُلّ رَسُول نَبِيّ وَلَا يَنْعَكِس..... وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ويقول ابن كثير: "أخبر الله تعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه أن لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل".
وقال الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية: " وَخَاتَم " قَرَأَ عَاصِم وَحْده بِفَتْحِ التَّاء , بِمَعْنَى أَنَّهُمْ بِهِ خُتِمُوا , فَهُوَ كَالْخَاتَمِ وَالطَّابَع لَهُمْ . وَقَرَأَ الْجُمْهُور بِكَسْرِ التَّاء بِمَعْنَى أَنَّهُ خَتَمَهُمْ , أَيْ جَاءَ آخِرهمْ . وقال أيضا: قال ابن عطية: هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفاً وسلفاً متلقاة على العموم التام مقتضية نصاً أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام أبو حيان: " قرأ الجمهور خاتم بكسر التاء بمعنى أنه ختمهم أي جاء آخرهم، وقرأ عاصم بفتح التاء إنهم به ختموا –ثم يقول- ومن ذهب إلى أن البنوة مكتسبة لا تنقطع أو إلى أن الولي أفضل من النبي فهو زنديق يجب قتله" تفسير البحر المحيط لان حيان.
ويقول الخازن: "وخاتم النبينن حتم الله به النبوة فلا نبوة بعده، وكان الله بكل شيء عليما أي دخل في علمه أنه لا نبي بعده" تفسير لباب التأويل للخازن.
وهنالك آيات كثير تفيد أن محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، منها قوله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ))( سبأ :28)، فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم أرسل للناس كافة، فلمن يبعث النبي القادم، فهذه دلالة واضحة على خَتم النبوة عليه صلى الله عليه وسلم.
ومثل ذلك قوله تعالى في سورة الأعراف ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا))، يقول الإمام الطبري في تفسيره: "قل يا محمد للناس كلهم إني رسول الله إليكم جميعاً لا إلى بعضكم دون بعض، كما كان من قبلي من الرسل مرسلاً إلى بعض الناس دون بعض"، ويؤكد ذلك قوله تعالى ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)) (المائدة : 3)،
وأخرج الإمام الطبري عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وهو الإسلام. قال أخبر الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله عز وجل فلا ينقصه أبداً، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً" .
فكلام ابن عباس رضي الله عنه السابق لم يترك مجالا لأحد أن يدعي النبوة، فإذا كان الدين كاملا، فلماذا يأتي بني جديد، فمن ادعى النبوة فقد قدح في القرآن الكريم، فهو زنديق. فكيف يكون الدين كاملا؟ ثم يحتاج إلى من يكمله مرة أخرى.
عجب من عقول تاهت عن الحق أو تعامت عنه. والله سبحانه أتم نعمته على هذه الأمة، بأن أكمل لها دينها، ورضيه لها. والتمام انه لا نقص فيه، أي النعمة التي هي إكمال الدين وهي أكبر النعم، ومعنى إتمامها أي: ليس فيها نقص.
ودليل آخر، إن معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ معجزة إلى قيام الساعة، فقد كانت رسالته خاتمة الرسالات، ودينه آخر الأديان، وهو صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، وكتابه آخر الكتب ومهيمنا على الكتب السابقة لقوله تعالى:
((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)) ( المائدة 48)، فهذا الكتاب الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم لا يكون بعده كتاب مُنـزَّل، وهذا يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينـزل فيكم ابن مريم حَكما مُقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنـزير ويضع الجزية)). رواه البخاري ومسلم، فهذه النصوص واصحة وصريحة وتدلّ على أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إذا نـزل فإنه يَحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، ولأن شريعة عيسى عليه السلام قد نُسِخت بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فإذا قلنا كيف يضع الجزية ولا يقبلها؟ أليس هذا حكم جديد؟، الجواب هذا الحكم أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم، فهو حكم الإسلام في ذلك الزمان، أي أن حكم الجزية يُــنَــفّـذُ إلى ما قبل نزول عيسى عليه السلام، أما الفترة بعد نزول عيسى عليه السلام فإن محمد صلى الله عليه وسلم قد نسخ هذا الحكم على عهد عيسى عليه السلام، وينفذ الحكم عيسى عليه السلام بعد نزوله، فالصحيح أن عيسى ليس هو من نسخ الحكم أنما هو محمد صلى الله عليه وسلم، وإلا ما أدرانا أن عيسى عليه السلام يضع الجزية؟ إلا أن محمد صلى الله عليه وسلم قضى بذلك.
والله سبحانه وتعالى حفظ القرآن الكريم من التحريف، ليكون دليلاً وهادياً لجميع الأمم وفي جميع الأزمنة وفي جميع الأمكنه، لذلك فهو التشريع الأبدي للإنس والجن إلى قيام الساعة، وإلا ما فائدة حفظه إذا كان سينسخ برسالة جديدة، كما حصل مع كتب اليهود والنصارى، التي حرفت ولم يتعهد الله بحفظها كالقرآن قال تعالى ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) (الحجر-9)، لأنه يعلم سبحانه أنه سيرسل محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون نذيراً للعالمين، وخاتما ومكملاً للرسالات ومهيمناً عليها، ودينه آخر الديانات، وسيعود عيسى عليه السلام حينما يعود على دين محمد صلى الله عليه وسلم كما أسلفت. فالحكمة من حفظ القرآن الكريم أنه آخر الكتب وفيه آخر الشرائع، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأمم كما في الحديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال "أنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم " رواه ابن ماجه، والحديث : صححه شيخنا الألباني في " صحيح الجامع ".
وأيضا الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الأنس والجن أيضا، فما حاجتنا لرسول بعده. ودليل ذلك كثير في القرآن والسنة ومنها سورة الجن، وكذلك سورة الملك، وكذلك أواخر سورة الأحقاف، فكل ذلك يدل على أن الرسالة الخاتمة هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
رابعا: الأحاديث الصحيحة في أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين:
أبدأ هذا الباب بقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنه سيكون في أمتي كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي)).[1]
قال الطحاوي: "إن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، بعثه بالأمر المرضي، وإنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده تعتبر هوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى، بالحق والهدى، وبالنور والضياء".
فدل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم السابق أن كل من يدعي النبوة فهو مُكًذّب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومنكر لما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه خاتم الأنبياء وآخرهم ولا نبي بعده، ومن رد التواتر فهو كافر وزنديق.
الحديث الثاني: قال صلى الله عليه وسلم: ((فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد)).[2]
هذا الحديث صريح في أن محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، ومسجده كذلك، أي لن يكون هنالك مسجد لنبي بعده، أي لا نبي بعده، فمسجده آخر مساجد الأنبياء، فظهر كذب ادعاء الدجال غلام أحمد القادياني في أن مسجده أفضل المساجد. ويشرحه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( أنا خاتم الأنبيناء ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء)).
الحديث الثالث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فُضّلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وأُرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون))[3].
يدل هذا الحديث على كفر كل من يدعي النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، بل يدل على كفر كل من يعتقد بأنه سيكون هنالك رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وفي هذا يقول القاضي عياض رحمه الله تعلى: ((وكذلك من ادعى نبوة أحد مع نبينا صلى الله عليه وسلم أو بعده كالعيسوية من اليهود القائلين بتخصيص رسالته إلى العرب، وكالخرمية القائلين بتواتر الرسل، وكأكثر الرافضة القائلين بمشاركة علي في الرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وكذلك كل إمام عند هؤلاء يقوم مقامه في النبوة والحجة، وكالبزيعية والبيانية منهم القائلين بنبوة بزيع وبيان وأشباه هؤلاء. أو من ادعى النبوة لنفسه، أو جوز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها ، كالفلاسفة وغلاة المتصوفة
وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة، أو أنه يصعد إلى السماء ويدخل إلى الجنة، ويأكل من ثمارها، ويعانق الحور العين، فهؤلاء كلهم كفار مكذَّبون للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه: خاتم النبيين، لا نبي بعده. وأخبر اللهُ تعالى عنه أنه خاتم النبيين، وأنه أرسل للناس كافة. وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره، وأن مفهومه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص، فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعاً إجماعاً وسمعاً)) "الشفا بتعريف حقوق المصطفى".
وفي هذا الحديث بيان شرف محمد صلى الله عليه وسلم، وشرف أمته على باقي الأمم. لأنه فُضل بأنه آخر الأنبياء والرسل، وأن رسالته هي الرسالة الأخيرة، فهذه موهبة من الله تعالى يحسدُنا عليها اليهود والنصارى، ولذلك لم يؤمنوا لحسرة في قلوبهم أن خاتم الأنبياء ليس منهم، لذلك جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَاَل : "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرِ الْيَهْودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}، فَقَالَ عُمَرُ: " إِنِّي لأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ"، ولم يعارضه عمر رضي الله عنه في جلالة هذه الآية وأهميتها، ولكنه نبهه على أنه لا يحتاج إلى عيد جديد لأنها نزلت في يوم عظيم، ومكان عظيم.
فأي منقبة، وأي شرف هذا يريد أعداء الإسلام سلبه منا معشر المسلمين، بحسدهم، وغيظهم، وحقدهم، على هذه الأمة التي شرفها الله من بين الأمم. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الامم كما بين صلاة العصر الى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، (ثم) أوتي أهل الانجيل الانجيل، فعملوا الى صلاة العصر، ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، (ثم) أوتينا القرآن فعملنا الى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين فقال أهل الكتابين أي ربنا: أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعيتنا قيراطا قيراطا ونحن كنا أكثر عملا، قال: هل ظلمتكم من أجركم من شئ ؟ قالوا: لا، قال: (فهو فضلي أوتيه من أشاء). وفضائل هذه الأمة كثير، وليس هذا مقام ذكرها أنما أردت أن أذكر طرفاً من ذلك بما يناسب المقام.
الحديث الرابع: وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون))[4].
هذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن معنى "النبيين" نبوة عامة سواء كانت تشريعية أو غير تشريعية، لان المصطفى صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الحديث شيئين، أولا كانت بنو أسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي آخر، ولم يقل أحد أن كل أنبياء بني أسرائيل كانوا أصحاب شريعة مستقلة، ثم أعقب الرسول العظيم قوله هذا بقوله ((لا نبي بعدي)) فدل اللفظ على كل نبي سواء كان صاحب شريعة مستقلة أم بني تابع. ثم قال صلى الله عليه سلم: ((سيكون خلفاء فيكثرون)) وهذا يدل دلالة صريحة بأنه ليس بعده نبياً لأنه لو كان من الممكن أن يجيء بعده نبي لما قال سيكون بعدي الخلفاء فيكثرون.
الحديث الخامس: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويتعجبون له ويقولون: هلا وضعت اللبنة. قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين))[5].
وعند أحمد:قال صلى الله عليه وسلم ((مثلي في النبيين، كمثل رجل بنى دارا، فأحسنها وأكملها وأجملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان و يعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة، فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة).
إذا كان محمد صلى الله عليه وسلم من النبيين موضع اللبنة الأخير في البناء؟ فهل بقي مكان لأي لبنة أخر؟!!، أكيد، لا. فقد كمل البناء وأُتِم، وكان آخر لبنة هو رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد تم بناء القصر وبذلك تم الدين، فإي شيء بقي لمن يدعي غير ذلك؟!!.
الحديث السادس: وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي وَأَنَا الْعَاقِبُ وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ)).[6]
وجملة العاقب الذي ليس بعده نبي "قيل: إنها من كلام النبي، صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنها من كلام الصحابي الراوي. وقيل: إنها من كلام الزهري.
وعلى كل الأحوال إذا كانت من كلام النبي، فهي كسابقتها، وأن كانت من كلام الصحابي، ففهم الصحابي مقدم على غيره وعلى من بعده، وخاصة أن هذا الفهم يدعمه الأحاديث السابقة وكذلك الأحاديث اللاحقة في هذا البحث، وإن كان من كلام الزهري، فاتباع فهم كلام سلفنا الصالح أولى لأنهم ما أخذوه إلا عن سلفهم الصالح من الصحابة رضي الله عنهم.
وعلى كل حال فحديث الإمام الترمذي دليل على أن هذا القول هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه بصيغة المتكلم، فيقطع على كل متأول تأويله وهو حديث صحيح، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَخْزُومِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّ لِي أَسْمَاءً أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدِي نَبِيٌّ)) وَفِي الْبَاب عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وبمثل هذه الصيغة أي صيغة المتكلم نقل ابن عبد البر هذا الحديث في "الاستيعاب" وهذا نصه: ((وأنا الذي ختم الله بي النبوة وأنا العاقب فليس بعدي نبي)). وأيضا ذكر ذلك بوضوح القاضي عياض ((وفي الصحيح : انا العاقب الذي ليس بعدي نبي)) في كتابه الشفا.
وأيضا سياق الحديث يدل على أن هذا الكلام من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، لانه قال "وَأَنَا الْمَاحِي" ثم فسر ذلك بقوله " الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ"، ثم قال صلى الله عليه وسلم " وَأَنَا الْحَاشِرُ" ثم فسر ذلك بقوله "الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي"، ثم قال " وَأَنَا الْعَاقِبُ" وفسر ذلك بقوله "وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ" فالسياق يقتضي أن يكون هذا الكلام من كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
الحديث السابع: ومن الأحاديث الشريفة التي تبين أن محمدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو الرسول الخاتم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون)).[7] فختم النبوة مما فضل به الرسول صلى الله عليه وسلم على باقي الرسل، فإنكار ذلك فيه وضع من منزلته صلى الله عليه وسلم. وهذا كفر واضح، فمن حط من قدر المصطفى صلى الله عليه سلم أو اعتدى على مقامة الشريف، فقد خرج من ملة الإسلام ويقتل ولا يستتاب.
الحديث الثامن: وعن ثوبان قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (( ... وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي))[8].
وأيضا هذا الحديث دلالته دلالة واضحة على أن كل من يدعي النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم فهو كاذب زنديق، وأن من يصدقه فهو أشر منه، ومن يؤول المعنى فهو مكذب للنبي صلى الله عليه وسلم. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وضّح معنى كلمة "خاتم النبيين" وقال في معناها "لا نبي يعدي" فهذا محمد صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، المؤيد بالوحي يقول أن معنى "خاتم النبيين" هو "آخر النبيين" أي لا نبي بعده، فمن ذا الذي يعتدي على حكم محمد صلى الله عليه وسلم، ويخالف كلامه وفهمه، ويخالف حكمه وقوله، فقط الذي يخالف ذلك هو المغضوب عليه، الضال، الذي ينطبق عليه قول الله تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)) (الاحزاب 36).
الحديث التاسع: وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، في حديث الشفاعة يوم القيامة، وهو حديث طويل، وفيه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذكر طلب الناس الشفاعة من الأنبياء واحداً تلو الآخر ليشفعوا إلى الله –عز وجل – في الحساب بين الناس لطول وقوفهم دون حساب ((حتى يصل الناس إلى عيسى –عليه السلام - فيقول لهم: أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه، أكان يقدر على ما في الوعاء حتى يفض الخاتم؟ فيقولون: لا. فيقول: إن محمداً صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين)).[9]
فلم نرى ذكرا لنبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث. ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (( يا أبا ذر أول الأنبياء آدم وآخرهم محمد)) رواه ابن حبان في صحيحه، وأبو نعيم في الحلية وصححه، وابن حجر في الفتح.
في هذه الأحاديث السابقة، بيّنَ الرسول صلى الله عليه وسلم أنه آخر الأنبياء، وأن أمته آخر الأمم، فلا أمة بعد أمته، ولا نبي بعده، فسد الطريق بهذه الألفاظ الواضحة على الدجاجلة ومدعي النبوة بعده لأنه قال عليه الصلاة والسلام "لا نبي بعدي"، "وختم بي النبيون"، فإني آخر الأنبياء"، فلم يترك لدجال أن يدعي النبوة بعده، فقد اكتمل قصر النبوة به، فهو اللبنة الأخيرة في هذا القصر، وقد سد منه الفراغ، وانقطعت به الرسالة والوحي، وفسر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "خاتم النبيين" بآخر النبيين، فقال "وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي"، فأنا لأحد أن يفسر تفسيرا بعد تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيد الخلق، كيف يكون لأحد ذلك والله تعالى يقول: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)) (الاحزاب 36).
وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم انقطاع النبوة بين الناس، في الحديث الذي رواه أبو هريرةَ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ) رواه البخاري،
وحديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ فَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَا نَبِيَّ قَالَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ لَكِنْ الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ » رواه أحمد (3/267) الترمذي (2272) وصححه.
وحديث أبي أمامة الباهلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيها الناس إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم ألا فاعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم وأطيعوا ولاة أمركم تدخلوا جنة ربكم) الطبراني في المعجم الكبير (8/115، 136، 138) وابن أبي عاصم (1061) وصححه الألباني في الصحيحة (3233).
وهذا صريح في انقطاع الوحي وختم النبوة. ووضح ذلك أيضا في قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضى الله عنه في غزوة تبوك بيانا لمنزلته ((أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي ) متفق عليه، ويوضح هذا الحديث أيضا أن محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء. ونبوته خاتمة النبوات، ويؤكد ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إلا أنه لا نبوة بعدي)) رواه مسلم. فلا نبوة بعد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا رساله بعد رسالته، ولا أمة بعد أمته. وهنالك الكثير من الأحاديث بهذا المعنى ولله الحمد والمنة.
وأما صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوضوح قضيّة ختم النّبوّة عندهم، لم يتردّدوا لحظة في تكذيب كلّ من ادّعى النبوّة، سواء في ذلك من عاش في عصر النبي عليه الصلاة والسلام – كمثل مسيلمة الكذّاب والأسود العنسي - أو جاء بعد – كسجاح وطليحة الأسدي والمختار الثقفي، ولذلك نجد أن ابن الزبير رضي الله عنه عندما قيل له إن المختار الثقفي ادّعى نزول الوحي عليه نفى ذلك على الفور، وسخر من ذلك قائلاً: صدق، ثم قرأ قوله تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} (الشعراء/221-223)، وقاتله حتى قتله. ونرى كذلك أم أيمن رضي الله عنها تبكي انقطاع الوحي إلى الأبد قائلة: " أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء " رواه مسلم . وبالتالي فتكذيب الصحابة لهؤلاء الأفّاكين لم يكن مجرّد رأي واجتهاد، بل تصديقاً لما أخبر به القرآن وما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم – من الأخبار التي تفيد انقطاع النبوّة من الأرض.
وفي ختم النبوة حفظ من الفوضى الفكرية، فلو لم تختم الرسالات والنبوة لبقيت أعناق الناس متطلعة إلى السماء لنزول شرع جديد، ولما استقر حالهم، كما كان حال الأمم السابقة التى كانت دائمة الترقب والانتظار لظهور نبي جديد، أما بعد إرسال محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلم يعد ذلك الباب مفتوحا، ولم تعد الأنظار شاخصة مترقبة لرسالة جديدة. وحُميت الأمة من الوقوع فريسة لدجاجلة الزمان، وكلهم يدعي أنه جاء لتكميل الاعتقاد، وإكمال الدين، والعياذ بالله، فالحمد لله ثم الحمد لله على منه وكرمه.
وبعد كل هذه الأدلة، هل يجرء أحد على قول أنه سيكون نبياً بعد محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يقول ذلك إلا ملحد، أو زنديق، أو كافر، أو عميل للكافرين، فهو أما مدعِ للإسلام لهدمه من داخله، كما فعل اليهودي عبد الله بن سبأ، وكما فعل بولص في دين النصارى، وإما ملحد غرته الدنيا والمال والجاه، فقدم الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، وفضل النار وقعرها، على الجنة وفردوسها.
وأختم يقول هذين الإمامين العظيمين:
قال ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه الفصل (1/77):« وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل الكواف التي نقلت نبوته وأعلامه وكتابه أنه أخبر أنه لا نبي بعده »،
وقال ابن كثير في تفسير سورة الأحزاب :« وقد أخبر تعالى في كتابه، ورسوله في السنة المتواترة عنه: أنه لا نبي بعده؛ ليعلموا أن كل مَنِ ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك».
والحمد لله رب العالمين
المراجع:
- القاديانية دراسات وتحليل – تأليف الاستاذ إحسان إلهي ظهير. (وقد نقلت الكثير من هذا الكتاب بالنص ولم أشر لذلك لتصرفي في معظم النصوص)
ملاحظة: يحق لكل مسلم نشر الموضوع لكن مع ذكر المصدر
[1] - رواه أبو داوود، وصححه الألباني.
[2] - رواه مسلم.
[3] - رواه مسلم.
[4] - رواه البخاري ومسلم.
[5] - رواه البخاري ومسلم.
[6] - رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.
[7] - رواه مسلم.
[8] - رواه أبو داود، والترمذي، وأحمد، وذكره ابن تيمية في اقتضاء الصراط وقال محفوظ من غير وجه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
[9] - رواه أحمد، وقال أحمد شاكر في (مسند الإمام أحمد)، اسناده صحيح.