top of page

المبحث التاسع

 

إثبات أن عيسى عليه السلام

حي في السماء، وينزل آخر الزمان

بسم الله والصلاة والسلام على رسول وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

الحمد لله الذي وفقني لكتابة ما مضى من نقض عقائد القاديانية، وبيان ضلال وكفر غلام أحمد القادياني؛ أمام أتباعه، وأمام الناس كافة، حتى لا ينغَرَّ الناس بعقائدهم وكفرهم الواضح البين.

 

هذا هو البحث التاسع في عقيدة غلام أحمد القادياني في عيسى عليه السلام، وهي في إثبات أن عيسى عليه السلام حي في السماء، وينزل آخر الزمان، كما أخبر بذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

 

مقدمة،

 

أجمعت الأمة على نزول عيسى عليه السلام، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه متبع لهذه الشريعة المحمدية، وليس بصاحب شريعة مستقلة، عند نزوله من السماء، وإن كانت النبوة قائمة به، ويتسلم الأمر من المهدي.

 

وإذا قال قائل أن عيسى عليه السلام؛ يضع الجزية، فهذا تشريع جديد مخالف لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. فالرد على ذلك سهل جداً، وهو ما أدراك أنه يضع الجزية، تقول أن محمد صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، أقول فإن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي التي رسمت للمسيح عليه السلام طريقه، فوضع محمد صىلى الله عليه وسلم الجزية في عهد عيسى عليه السلام، حتى لا يبقى إلا مسلم أو كافر. وعيسى عليه السلام يطبق ما شرعه محمد صلى الله عليه وسلم له.

 

والبحث الأول في هذه السلسلة هو: معنى التوفي في القرآن الكريم.

 

يقول الله تعالى: (( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ)) الأنعام: الآية 60.

 

وقال تعالى: (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: الآية 42.

 

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره : ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نَفْسه الْكَرِيمَة بِأَنَّهُ الْمُتَصَرِّف فِي الْوُجُود بِمَا يَشَاء وَأَنَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُس الْوَفَاة الْكُبْرَى بِمَا يُرْسِل مِنْ الْحَفَظَة الَّذِينَ يَقْبِضُونَهَا مِنْ الْأَبَدَانِ وَالْوَفَاة الصُّغْرَى عِنْد الْمَنَام كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَم مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَل مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَهُوَ الْقَاهِر فَوْق عِبَاده وَيُرْسِل عَلَيْكُمْ حَفَظَة حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَوْت تَوَفَّتْهُ رُسُلنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ " فَذَكَرَ الْوَفَاتَيْنِ الصُّغْرَى ثُمَّ الْكُبْرَى وَفِي هَذِهِ الْآيَة ذَكَرَ الْكُبْرَى ثُمَّ الصُّغْرَى وَلِهَذَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى " فِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّهَا تَجْتَمِع فِي الْمَلَإِ الْأَعْلَى كَمَا وَرَدَ بِذَلِكَ الْحَدِيث الْمَرْفُوع الَّذِي رَوَاهُ اِبْن مَنْدَهْ وَغَيْره وَفِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ حَدِيث عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا أَوَى أَحَدكُمْ إِلَى فِرَاشه فَلْيَنْفُضْهُ بِدَاخِلَةِ إِزَاره فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَقُلْ بِاسْمِك رَبِّي وَضَعْت جَنْبِي وَبِك أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْت نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظ بِهِ عِبَادك الصَّالِحِينَ " وَقَالَ بَعْض السَّلَف يُقْبَض أَرْوَاح الْأَمْوَات إِذَا مَاتُوا وَأَرْوَاح الْأَحْيَاء إِذَا نَامُوا فَتَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه تَعَالَى أَنْ تَتَعَارَف " فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت" الَّتِي قَدْ مَاتَتْ وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى قَالَ السُّدِّيّ إِلَى بَقِيَّة أَجَلهَا وَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا يُمْسِك أَنْفُس الْأَمْوَات وَيُرْسِل أَنْفُس الْأَحْيَاء وَلَا يَغْلَط " إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " .

 

وقال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه يُتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْأُلُوهَة لِلَّهِ الْوَاحِد الْقَهَّار خَالِصَة دُون كُلّ مَا سِوَاهُ , أَنَّهُ يُمِيت وَيُحْيِي , وَيَفْعَل مَا يَشَاء , وَلَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ شَيْء سِوَاهُ ; فَجَعَلَ ذَلِكَ خَبَرًا نَبَّهَهُمْ بِهِ عَلَى عَظِيم قُدْرَته , فَقَالَ : { اللَّه يُتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } فَيَقْبِضهَا عِنْد فَنَاء أَجَلهَا , وَانْقِضَاء مُدَّة حَيَاتهَا , وَيُتَوَفَّى أَيْضًا الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا , كَمَا الَّتِي مَاتَتْ عِنْد مَمَاتهَا { فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت } ذُكِرَ أَنَّ أَرْوَاح الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات تَلْتَقِي فِي الْمَنَام , فَيَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه مِنْهَا , فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعهَا الرُّجُوع إِلَى أَجْسَادهَا أَمْسَكَ اللَّه أَرْوَاح الْأَمْوَات عِنْده وَحَبَسَهَا , وَأَرْسَلَ أَرْوَاح الْأَحْيَاء حَتَّى تَرْجِع إِلَى أَجْسَادهَا إِلَى أَجَل مُسَمًّى وَذَلِكَ إِلَى اِنْقِضَاء مُدَّة حَيَاتهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23230- اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } الْآيَة . قَالَ : يَجْمَع بَيْن أَرْوَاح الْأَحْيَاء , وَأَرْوَاح الْأَمْوَات , فَيَتَعَارَف مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَتَعَارَف , فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت , وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجْسَادهَا. 23231 -  مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن, قَالَ: ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل, قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } قَالَ : تَقْبِض الْأَرْوَاح عِنْد نِيَام النَّائِم , فَتَقْبِض رُوحه فِي مَنَامه , فَتَلْقَى الْأَرْوَاح بَعْضهَا بَعْضًا : أَرْوَاح الْمَوْتَى وَأَرْوَاح النِّيَام , فَتَلْتَقِي فَتُسَاءَل , قَالَ : فَيُخَلِّي عَنْ أَرْوَاح الْأَحْيَاء , فَتَرْجِع إِلَى أَجْسَادهَا , وَتُرِيد الْأُخْرَى أَنْ تَرْجِع , فَيَحْبِس الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت , وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى , قَالَ : إِلَى بَقِيَّة آجَالهَا . 23232 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا } قَالَ : فَالنَّوْم وَفَاة { فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى } الَّتِي لَمْ يَقْبِضهَا { إِلَى أَجَل مُسَمًّى }

 

وقال الطبري رحمه الله تعالى: وَهِيَ النَّائِمَة فَيُطْلِقُهَا بِالتَّصَرُّفِ إِلَى أَجَل مَوْتهَا; قَالَ اِبْن عِيسَى. وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى وَيَقْبِض الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا عِنْد اِنْقِضَاء أَجَلهَا. قَالَ: وَقَدْ يَكُون تَوَفِّيهَا نَوْمَهَا; فَيَكُون التَّقْدِير عَلَى هَذَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ وَفَاتُهَا نَوْمُهَا. وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ أَرْوَاح الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات تَلْتَقِي فِي الْمَنَام فَتَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه مِنْهَا , فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعهَا الرُّجُوع إِلَى الْأَجْسَاد أَمْسَكَ اللَّه أَرْوَاح الْأَمْوَات عِنْده , وَأَرْسَلَ أَرْوَاح الْأَحْيَاء إِلَى أَجْسَادهَا 

 

وقال:  يَعْنِي فِي قَبْض اللَّه نَفْس الْمَيِّت وَالنَّائِم, وَإِرْسَاله نَفْس النَّائِم وَحَبْسه نَفْس الْمَيِّت.

 

وهذا ما يسميه العلماء الوفاة الصغرى والكبرى، يعني أنه في حالةِ إمساك الروح تكون الوفاة الكبرى، وفي حالة إرسالها، فهي الوفاة الصغرى.

 

ويدل على هذا أيضًا الحديثُ الذي أخرجه البخاري عن عبدالله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: "سِرْنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةً، فقال بعض القوم: لو عرَّست بنا يا رسول الله، قال: ((أخاف أن تناموا عن الصلاة))، قال بلال: أنا أوقظكم فاضطجعوا، وأسند بلال ظهره إلى راحلته، فغلبتْه عيناه فنام، فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد طلع حاجب الشمس، فقال: ((يا بلال، أين ما قلت؟))، قال: ما أُلقيت عليَّ نومةٌ مثلها قط، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردَّها عليكم حين شاء، يا بلال، قم فأَذِّن بالناس بالصلاة فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس وابيضَّت، قام فصلَّى)).

 

وأيضا ما جاء في "البخاري ومسلم" من حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ مضجعَه من الليل، وضع يده تحت خده، ثم يقول: ((باسمك اللهم أحيا وأموت))، وإذا استيقظ قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)).

والبحث الثاني هو: ذكر الآيات التي تصرح برفع عيسى عليه السلام ونزوله عليه السلام آخر الزمان.

 

الآيات في رفع عيسى عليه السلام حياً، وقول العلماء في تفسيرها.

 

الدليل الأول:

 

قال الله تعالي: ((إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )) سورة آل عمران – آية 55.

 

قال الحافظ بن كثير في تفسير هذه الآية ما ملخصه: اختلف المفسرون في قوله تعالى (أني متوفيك و رافعك إليّ)، فقال قتادة وغيره: هذا من المقدّم والمؤخر، نقديره: إني رافعك إليّ ومتوفيك، يعني: بعد ذلك.

 

قال مطر الورّاق: إني متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موتٍ، وكذا قال ابن جرير: توفّيه هو رفْعُه، وقال الأكثرون: المراد بالوفاة هنا النوم، كما قال تعالى:  (هو الذي يتوفاكم بالليل)، وقال تعالى:(الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها). كما بينت في بداية هذا البحث في معنى التوفي في القرآن الكريم.

 

وقال ابن جرير في ان المراد بالتوفي هو نفس الرفع، والمعنى: إني قابضك من الأرض ومستوفيك ببدنك وروحك، وينسب هذا التفسير إلى ابن زيد، وهو الذي حكاه ابن كثير عم مطر الوراق.

 

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، حدثنا الربيع بن أنس، عن الحسن أنه قال في قوله تعالى: (أني متوفيك) يعني وفاة المنام، رفعه الله في منامه.

 

قال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود: (إن عيسى لم يمت، وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة) هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم كما نقله ابن كثير في التفيسر، والحديث مرسل.

 

واختار ابن كثير رأي االجمهور على تفسير التوفي بالإنامة، واستشهد له بآيتين من القرآن ورد فيهما التوفي بمعنى النوم، كما استشهد لذلك بالحديث الذي يسمى النوم إماته اليقظة إحياء، وأيده كذلك بقوله تعالى في سورة النساء: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)، قال: والضمير في قوله: (قبل موته) عائد على عيسى عليه السلام، أي: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى عليه السلام، وذلك حين ينزل إلى الأرص قبل يوم القيامة، فحينئذن يؤمن به أهل الكتاب كلهم، لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.  وهذا هو ما ذهب إليه جمهور الصحابة في أن الضمير لعيسى، وقد حكى ابن جرير عن ابن عباس وأبي هريرة الجزم بذلك، حتى إن أبا هريرة لما روى حديث نزول عيسى استشهد له بهذه الآية. ويؤكد ذلك أي أن الضيمر عائد إلى عيسى عليه السلام، لأن الضمير المجرور قبله في قوله (به) راجع إلى عيسى قطعاً، قوجد أن يعود الضمير هنا أيضاً إليه لئلا يتفكك الكلام، ومنها أن هذا الإيمان المخبر عنه في الآية إيمان لا ينفع أصحابه ولا يخرجهم من الكفر ولا ينجيهم من النار، فلا فائدة في الإجبار به، والإيمان في الآية مطلق، فينصرف إلى حقيقته الشرعية، وهو الإيمان المعتد به الذي يَخرجُ به صاحبه من الكفر.

 

ونعود إلى تفسير الآية، يقول  الهراس: ونحن نرى مع ابن كثير أن هذا الرأي هو الذي يجب المصير إليه في فهم الآية، لأنه هو الذي يتسق مع ما أمر به القرآن من رد المتشابه إلى المحكم ليفهم معناه، ولفط التوفي هنا متشابه، لأنه يحتمل التوفي بالموت، والتوفي بالنوم، والتوفي بمعنى القبض والاستيفاء-إلخ-، ولكن لفط الرقع إلى الله محكم وصريح في معناه، وتأويله برفع الروح أو رفع المكانه إلحاد في الآية وتحريف للكلم عن مواضعه. (انتهى كلامه).

 

وكيف يقول الله تعالى (بل رفعه الله إليه) والضمير يعود على عيسى عليه السلام، فكيف يُحرف المعنى الظاهر والمتبادر برفع الروح، ويؤكد ذلك قول الله تعالى (بل رفعه الله إليه)، وهذا واضح في رفع جسده وروحه وليس الروح فقط. ولو كان المعنى كما يدعون، أنه رفع الروح فقط، أو المكانه، فإنه أمر معلوم، وهو أيضا عام لجميع الأنبياء، بل لجميع المؤمنين، فلا يصح أن يكون هو مضمون البشارة، ولا خصيصة عندها لعيسى عليه السلام ولا فرق بينه وبين غيره في ذلك، بل يجب أن يكون المراد رفعه كله كما تفيده كاف الخطاب في قوله: (رافعك)، فإن مرجعها هو شخص عيسى عليه السلام لا روحه، وإلا لقال (ورافع روحك إلي)، والذي يمكن أن يختص به عيسى هو رفعه حياً بجسده وروحه، وإذا تبين أن معنى رفعه إليه ثو ضمه وإيواؤه إليه فلا بد أن يكون رفعه حياً، إذ لا يعقل أن يرفعه ميتا.

 

وكذلك التطهر في هذه الآية المراد به تطهير عيسى عليه السلام من اليهود وإنجاؤه من مكرهم حين أرادوا قتله، وعلى تقدير التوفي بالإماتة لا تكون تلك البشارة بالتطهير والإنجاء قد تحققت، بل يكون قد إعان اليهود على قصدهم، وهو أن يتخلصوا من عيسى عليه السلام أما بالموت أو بالقتل!

 

وكيف يفهم من قوله تعالى: (ومكروا ومكر الله) على تفسير التوفي بالإماته، وهل المناسب لمكر الله المقابل لمكر اليهود أن يقتله الله قبل أن يقتله اليهود؟!، أو أن يرفعه حيا لينزل في آخر الزمان فينتقم من هؤلاء الذين كادوا له وآذوه، ويقاتلهم على الإسلام وحده، فمن أبي منهم روى الأرض من دمه، ومن أسلم نجاه إسلامه؟

 

وفي نهاية بيان ما تدل عليه هذه الآية، فإن رواية عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسيره لقول الله تعالى (أني رافعك) أي متوفيك، فهي رواية منقطعة، فإن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، فهي رواية غير صحيحة، وأيضا لا تقوى على معارضة الروايات الكثيرة عن ابن عباس في أنه رُفِعَ حيّاً، وأنه سينزل من السماء.

 

الدليل الثاني، وفيه ثلاثة آيات:

 

قال تعالى: ((وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159))) سورة النساء.

 

هذه الآية ذكرت تفسيرها في تفسير الدليل الأول، ونستكمل هنا ما لم أذكره.

 

يذكر الله سبحانه وتعالى أنه اليهود لم يقتلوا عيسى عليه السلام، بل شبه لهم، حتى أنهم ليس متيقنين من قتل عيسى عليه السلام، بل هم يظنون ذلك ظناً عاريا عن اليقين. ثم يذكر الله تعالى في مقابل ادعائهم لقتله وصلبه أن الله رفعه إليه، ثم يختم سبحانه الآية باسمين كريمين من أسمائه جل في علاه، وهما: العزيز والحكيم، ليدل على قهره لأعدائه بافساد مكرهم، وحكمته فيما دبر من تخليص عيسى وإنجائه برفعه إلى السماء، فالآية صريحة في أنه رفعه حياً، لأنه ذرك الرفع وأثبته مكان الذي نفاه من القتل والصلب، ولو كان عيسى عليه السلام قد مات في الأرض ودفن وأن المراد بالرفع رفع ورحه أو منزلته، لما حسُن ذكر الرفع مقابل نفي القتل والصلب، لأن الذي يناسب نفي القتل والصلت عنه هو رفعه حياً لا موته، وإلا لقال سبحانه: وما قتلوه وما صلبوه بل الله هو الذي أماته.

 

نقل ابن كثير في تفسيره، عن ابن أي حاتم أنه قال: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:( لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلاً من الحواريين – يعني- فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء، فقال: إن منكم من يكفر بي اثني عسرة مرة بعد أن آمن بي، قال: ثم قال: أيكم يُلْقَى عليه شبهي فيُقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سناً، فقال له : اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام ذلك الساب، فقال: اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام الشاب، فقال: أنا. فقال هو أنت ذلك. فأُلقى عليه شبه عيسى، ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء، قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه، فكفر به بعضهم اثني عشر مرة بعد أن آمن به).

 

قال ابن كثير بعد روابته لهذا الحديث:( وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، ورواه النسائي عن أبي كريب، عن أبي معاوية –بنحوه-، وكذا ذكره غير واحد من السلف أنه قال لهم: أيكم يُلقَى عليه شبهى فيقتل مكاني وهو رفيقي في الجنة).

 

وأما الآية الثالثة من هذا الدليل، أيضا تكلمت عن تفسيرها في تفسير الدليل الأول، وأنقل بعض آراء العلماء في تفسيرها،

 

قال ابن جرير: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) يعني قبل موت عيسى، يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة وهي ملة الإسلام الحنيف، دين إبراهيم عليه السلام.

 

وذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وإن من أهل الكتاب إلا ليومنن به قبل موته*) قال: قبل موت عيسى ابن مريم عليه السلام. صحيح ابن حجر في الفتح.

 

قال العوفيّ عن ابن عباس مثل ذلك.

 

وقال أبو مالك في قوله:( إلا ليؤمنن به قبل موته) قال: ذلك عند نزول عيسى، قبل موت عيسى ابن مريم عليه السلام لا يبقى أخد من أهل الكتاب إلا آمن به.

 

وقال الضحاك: عن ابن عباس: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) يعني اليهود خاصة.

 

وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا أبو رجاء، عن الحسن: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) قال: قبل موت عيسى، والله إنه الآن حيّ عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون.

 

قال ابن كثير بعد روايته لكلام ابن جرير: وكذا قال قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد.

الآيات في نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، وقول العلماء في تفسيرها. 

 

الدليل الأول:

 

قال تعالى: ((وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ )) سورة آل عمران – آية 46.

 

الدليل الثاني:

 

قال تعالى: ((إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا)) سورة المائدة – آية 110.

 

ذهب جمهور المحدّثين والمؤرخين إلى أن عيسى عليه السلام رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وأنه سيمكث في الأرض إذا نزل أربعين سنة كما جاء في الحديث الصحيح.

 

قال الحسن بن الفضل: وفي هذه الآية نص في أنه عليه الصلاة والسلام سينزل إلى الأرض. وقال أيضا: أن المراد بقوله: ((كهلاً)) أن يكون كهلاً بعد أن ينزل من السماء في آخر الزمان ويكلم الناس ويقتل الدجال.

 

روي ابن جرير في تفسير الآية الأولي: قال: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، قال: سمعته –يعني ابن زيد- يقول في قوله: ((ويكلم الناس في المهد وكهلاً)) قال: قد كلمهم عيسى في المهد، وسيكلمهم إذا قَتل الدجال وهو يومئذ كهل.

 

قال ابن جرير أيضاً: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ((ويكلم الناس في المهد وكهلاً)) وقال: متوفيك: قابضك، قال: متوفيك ورافعك واحد، قال ولم يمت بعد حتى يقتل الدجال وسيموت وتلا قول الله عز وجل ((ويكلم الناس في المهد وكهلاً)) قال: رفعه الله قبل أن يكون كهلاً، قال: وينزل كهلاً.

 

وقول ابن جرير هو قول عامة أهل التفسير، حيث يجعلون هذه الآيات دليلاً على نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، وهذا هو الحق الذي لا مريه فيه، فإن قوله سبحانه: ((وكهلاً)) معطوف على متلعق الظرف قبله داخل معه في حكمه، والتقدير: ويكلم الناس طفلاً في المهند ويكلمهم كهلاً، فإذا كان كلامه في حالة الطفولة عقب الولادة مباشرة آية، فلا بد أنّ المعطون  عليه وهو كلامه في حال الكهولة كذلك، وإلا لم يُحْتَجْ إلى النتصيص عليه؛ لأن الكلام من الكهل أمر مألوف معتاد، فلا يحسن الإخبار به، لا سيما في مقام البشارة، بل لا بد أن يكون المراد بهذا الخبر أن كلامه كهلاً سيكون آية ككلامه طفلاً، بمعنى أنه سيرفع إلى السماء قبل أن يكتهل ثم ينزل فيبقى في الأرض إلى أن يكتهل ويكلم الناس كهلاً.

 

الدليل الثالث:

 

قال تعالى: ((وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159))) سورة النساء.

 

قدمنا الكلام على تفسير الآية، ودلالتها، وأضيف هنا أن أهل الكتاب الموجودين في ذلك الزمان الذي ينزل فيه عيسى يؤمنون به ويصدقون به، لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فمن أبي الإسلام عاجله بالسيف، وعلى كونه الضمير في قوله ((قبل موته)) عائد لعيسى عليه السلام، كما هو اثبتنا إعلاه أنه الصحيح، يكون نزوله أمراً بدهياً لا شك فيه، فإن أهل الكتاب لن يصعدوا إلى السماء ليؤمنوا به! ولكنه هو الذين ينزل إلى الأرض كما صرّحت به الأحاديث الصحيحة المتواترة التى سأوردها بعد ذكر الآيات إن شاء الله تعالى.

 

وبهذا المعنى جزم ابن عباس رضي الله عليه فيما رواه ابن جرير من طريق سعبد بن جبير عنه بإسناد صحيح، ورواه الطبري وصحيح الحافظ في الفتح.

 

الدليل الرابع:

 

قال تعالى: ((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )) سورة الزخرف – آية 61.

 

قال ابن حبان في صحيحه: ذكر البيان بأن عيسى ابن مريم من أعلام الساعة: أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن عاصم، عن أبي رزين، عن أبي يحيى مولى ابن عفراء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:((وإنه لعلم للساعة)) قال: (نزول عيسى ابن مريم من قبل يوم القيامة).

 

وجاء عن ابن عباس وأبي مالك، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والسدي، والضحاك، وابن زيد وغيرهم مثل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وآثارهم مروبة في تفيسر ابن جرير بأسانيد مختلفة وطرق متعددة، كلها تصرح بأن المراد بالآية نزول عيسى قبل قيام الساعة. وهذا ما يدل عليه أيضا سياق الآية، إذ الكلام كله عن عيسى عليه السلام.

 

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى: ((وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ)) بفتح العين واللام أي أمارة وعلامة على اقتراب الساعة، وآية للساعة خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة. رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم في مستدركه وصححـه هو والذهبي. وقد رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النـبي: ((وإنه لعلم للساعة)) قـال: ( نزول عيسى بن مريم قبل يوم القيامة) صححه الحاكم والذهبي. وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، وأبي العالية، وأبي مالك، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والضحاك، والأعمش وغيرهم نحو قول ابن عباس رضي الله عنهما. وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً، وحكماً مقسطاً.

 

وهذه القرآءة قاطعة في الدلالة على المعنى المذكور.

 

وأورد هنا أن غلام أحمد القادياني –دجال قاديان- يعترف بذلك أن عيسى عليه السلام هو علامه للساعة. فهذه حجة قوية عليه وعلى أتباعه أنه ليس هو عيسى ابن مريم، لأن الصفات المذكورة في عيسى عليه السلام لا تنطبق عليه. ونحن ليس بحاجة لرأي هذا الدجال إلا لإقامة الحجه عليه وعلى أتباعه.

البحث الثالث هو: الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام من السماء.

 

وهذه الأحاديث أوردتها في بحث (هل فعلاً غلام أحمد القادياني هو المسيح الموعود والمهدي المسعود) فليراجع، ولن أعلق كثيراً هنا على الأحاديث مكتفيا بما كتبته في البحث المذكور.

 

وفي البحث أيضا صفات عيسى عليه السلام وإثبات أن هذه الصفات لا تنطبق على غلام أحمد القادياني.

 

 وقد جاء في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام أكثر من خمسين حديثا مرفوعا أكثرها من الصحاح والباقي غالبه من الحسان. وهذه الأحاديث في القدر المشترك بينها متواتر تواتراً معنويا يفيد القطع بثبوت مضمونها، وممن صرح بتواتر نزول عيسى عليه السلام، العلامة الطبري، والنووي، والقاضي عياض، وابن حجر وابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وابن كثير، والعلامة الأُبّيّ، وابن عطية، وأبوحبان الأندلسي، والشوكاني، والشنقيطي، والسفاريني، والألباني والشيح أحمد شاكر، وابن باز رحمهم الله جميعاً.

 

الدليل الأول:

 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم ((وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)). رواه البخاري ومسلم. وفي لفظ لمسلم من رواية عطاء: ((ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد)).

 

الدليل الثاني:

 

عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام:" والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها".

 

وفيه من طريق ءاخر:" كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"

 

أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء في نزول عيسى عليه السلام.

ورواه مسلم في آخر كتاب الإيمان في باب نزول عيسى ابن مريم حاكماً بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه أحمد.

 

وفي تبويب الشيخان البخاري ومسلم، دليل على جزمهما بنزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، وهذا الحديث اتفق عليه الشيخان، ومعلوم عند كل مسلم أن ما اتفق عليه الشيخان يعتبر أصح الكلام بعد كتاب الله عز وجل وأوثقه.

 

يقول الشيخ الشنقيطي صاحب كتاب (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) بعد روايته لهذا الحديث:

 

"تنبيه: يجب شرعاً اعتقاد أن عيسى عليه الصلاة والسلام لا زال حياً إلى الآن، وأنه لا بد أن ينزل آخر الزمان حاكماً بشرع نبينا عليه الصلاة والسلام، ومجاهداً في سبيل الله، كما تواتر عن الصادق المصدوق، وإنما وجب اعتقاد ذلك لأن الله تعالى أخبر في كتابه العزير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن اليهود ما قتلوه، وأنه تعالى رفعه، كما قال تعالى: ((وما قتلوه يقينا،بل رفعه الله إليه))، وقد وردت الأحاديث المتواترة أنه ينزل في آخر الزمان حكماً عدلاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزيل، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، وغير ذلك من الأحاديث المصرِّحة بنزوله وبمدته حياً في الأرض بعد نزوله، ولم يصح حديث بموته تمكن معارضته لما سح بالتواتر من نزوله في آخر الزمان.

 

وإذا أخبر القرآن أنه رفع ولم يقتل، وبين النبي صلى الله عليه وسلم لنا أنه سينزل في آخر الزمان، وفصّل لنا أحواله بعد نزوله تفصيلا رافعاً لكل احتمال: وجب اعتقاد ذلك على كل مسلم.

 

ومن شكل فيه فيكون كافراً بإجماع الأمة: لأنه مما عُلِمَ من الدين ضرورة بلا نزاع، وكل إيراد عليه من الملاحدة والجهلة باطل؛ لا ينبغي لكا من اتصف بالعلم أن يلتفت إليه." انتهى كلامه.

 

ولفظ البيهقي في "الأسماء والصفات": " كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ" ، وفي هذه الرواية تكذيب للقاديانية الكافرة في دعواهم أنه لم يرد في حديث نزول المسيح ذكر لفظ "من السماء". وعند ابن حبان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ )) سورة الزخرف آية 61. قال:"نزول عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة". وأحاديث نزول سيدنا عيسى مشهورة قريبة من التواتر هذا كلام أهل العلم والحفاظ والمحدثين.

 

وهذا الحديث فيه تصريح بنزول عيسى عليه السلام من السماء، ليقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، ويفيض المال على عهده. وكما بينت سابقا، فكل هذه الأخبار كلها متواترة، وهذا ما عليه علماء أهل السنة والجماعة.

 

وأيضا يدل هذا الحديث على إن عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان لا يأتي بشرع جديد، ولا يحكم بالإنجيل، وإنما يحكم بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون واحدا من هذه الأمة.

 

قال الوليد بن مسلم: فقلت  لابن أبي ذئب: إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي هريرة  (فأمكم منكم) قال ابن أبي ذئب  تدري ما أمكم منكم؟ قلت: تخبرني. قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.

 

وقال أبو ذر الهروي: حدثنا الجوزقي عن بعض المتقدمين قال: معنى (إمامكم منكم) أنه يحكم بالقرآن لا بالإنجيل .

 

وقال ابن التين: معنى قوله (وإمامكم منكم) أن الشريعة المحمدية متصلة إلى يوم القيامة، وأن في كل قرن طائفة من أهل العلم. وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله  صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( إن الدجال خارج ـ فذكر الحديث وفيه ـ ثم يجيء عيسى بن مريم عليهما السلام مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملته، فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة  وقد رواه الطبراني، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح .

 

وروى الطبراني أيضا في الكبير والأوسط، عن عبدالله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما أهبط الله تعالى إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجالـ فذكر الحديث وفيهـ ثم ينزل عيسى بن مريم مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملته إماما مهديا وحكما عدلا فيقتل الدجـال). قال الهيثمي: رجالـه ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر اهـ. والحديث الذي قبله يشهد له ويقويه .

 

ويعضده ما أخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "يهبط عيسى ابن مريم، فيصلي الصلوات، ويجمع الجمع" ورجاله رجال الصحيح.

 

فهذا صريح من أنه ينزل بشرعنا، فإن مجموع الصلوات  الخمس، وصلاة الجمعة لم يكونوا في غير هذه الأمة.

 

الدليل الثالث:

 

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة)) رواه مسلم.

 

الدليل الرابع:

 

(قطعة من حديث طويل): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِشَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ) إلى باقي الحديث. رواه مسلم.

 

الدليل الخامس:

 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا) رواه مسلم.

 

يقول الشنقيطي في تعقيبه على هذا الحديث: فأي دليل أصرح في نزوله وكونه لا زال حياً من إقسام النبي عليه الصلاة والسلام على أنه سيهل حاجاً أو معتمراً مرة أو مرتين.

 

الدليل السادس:

 

روى الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا يزيد أخبرنا سفيان عن الزهري عن حنظلة عن أبي هريرة قال(( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب وتجمع له الصلاة ويعطى المال حتى لا يقبل ويضع الخراج وينزل الروحاء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما )) قال وتلا أبو هريرة ((وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا )) فزعم حنظلة أن أبا هريرة قال يؤمن به قبل موته عيسى فلا أدري هذا كله حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله أبو هريرة.

 

الدليل السابع:

 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رَجُلًا مَرْبُوعًا إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ وَتَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ لَا تَضُرُّهُمْ فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ) رواه أحمد وأبوداود وأسناده صحيح.

 

الدليل الثامن:

 

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي الْفِتَنِ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ ، فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ : خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلُهُمْ ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، وَيُقْتَلُ ثُلُثٌ هُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ . وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا ، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ ، فَبَيْنَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ : إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِذَا جَاءُوا الشَّامَ خَرَجَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّهُمْ )) الْحَدِيثَ .

 

الدليل التاسع:

 

روى الإمام أحمد في مسنده قال حدثنا هشيم أنبأنا العوام عن جبلة بن سحيم عن مؤثر بن عفازة عن ابن مسعود ((عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى قَالَ فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهَا فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهَا فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى عِيسَى فَقَالَ أَمَّا وَجْبَتُهَا فَلَا يَعْلَمُهَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ ذَلِكَ وَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ قَالَ وَمَعِي قَضِيبَانِ فَإِذَا رَآنِي ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ قَالَ فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ لَيَقُولُ يَا مُسْلِمُ إِنَّ تَحْتِي كَافِرًا فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ قَالَ فَيُهْلِكُهُمْ اللَّهُ ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكُوهُ وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ فَيَشْكُونَهُمْ فَأَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَيُهْلِكُهُمْ اللَّهُ وَيُمِيتُهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتْنِ رِيحِهِمْ قَالَ فَيُنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَطَرَ فَتَجْرُفُ أَجْسَادَهُمْ حَتَّى يَقْذِفَهُمْ فِي الْبَحْرِ قَالَ أَبِي ذَهَبَ عَلَيَّ هَاهُنَا شَيْءٌ لَمْ أَفْهَمْهُ كَأَدِيمٍ وَقَالَ يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ هَارُونَ ثُمَّ تُنْسَفُ الْجِبَالُ وَتُمَدُّ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ هُشَيْمٍ قَالَ فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّ السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ الَّتِي لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا)).

 

 

الدليل العاشر:

 

روى الإمام أحمد في مسنده قال حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَن عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَن أَبِي نَضْرَةَ قَالَ ((أَتَيْنَا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ لِنَعْرِضَ عَلَيْهِ مُصْحَفًا لَنَا عَلَى مُصْحَفِهِ فَلَمَّا حَضَرَتْ الْجُمُعَةُ أَمَرَنَا فَاغْتَسَلْنَا ثُمَّ أُتِينَا بِطِيبٍ فَتَطَيَّبْنَا ثُمَّ جِئْنَا الْمَسْجِدَ فَجَلَسْنَا إِلَى رَجُلٍ فَحَدَّثَنَا عَنْ الدَّجَّالِ ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ أَمْصَارٍ مِصْرٌ بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ وَمِصْرٌ بِالْحِيرَةِ وَمِصْرٌ بِالشَّامِ فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ فَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ فَيَهْزِمُ مَنْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ فَأَوَّلُ مِصْرٍ يَرِدُهُ الْمِصْرُ الَّذِي بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ تَقُولُ نُشَامُّهُ نَنْظُرُ مَا هُوَ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمْ السِّيجَانُ وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ ثُمَّ يَأْتِي الْمِصْرَ الَّذِي يَلِيهِ فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ تَقُولُ نُشَامُّهُ وَنَنْظُرُ مَا هُوَ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ بِغَرْبِيِّ الشَّامِ وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَقَبَةِ أَفِيقٍ فَيَبْعَثُونَ سَرْحًا لَهُمْ فَيُصَابُ سَرْحُهُمْ فَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَتُصِيبُهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ شَدِيدٌ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُحْرِقُ وَتَرَ قَوْسِهِ فَيَأْكُلُهُ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنْ السَّحَرِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَاكُمْ الْغَوْثُ ثَلَاثًا فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّ هَذَا لَصَوْتُ رَجُلٍ شَبْعَانَ وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ رُوحَ اللَّهِ تَقَدَّمْ صَلِّ فَيَقُولُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ أَخَذَ عِيسَى حَرْبَتَهُ فَيَذْهَبُ نَحْوَ الدَّجَّالِ فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ فَيَضَعُ حَرْبَتَهُ بَيْنَ ثَنْدُوَتِهِ فَيَقْتُلُهُ وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتَقُولُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ وَيَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ )).

 

الدليل الحادي عشر:

 

روى مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ مَا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ تَقُولُ إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكَذَا فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهُمَا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أُحَدِّثَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا إِنَّمَا قُلْتُ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا يُحَرَّقُ الْبَيْتُ وَيَكُونُ وَيَكُونُ ثُمَّ قَالَ ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا  فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ قَالَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلَا تَسْتَجِيبُونَ فَيَقُولُونَ فَمَا تَأْمُرُنَا فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا قَالَ وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ قَالَ فَيَصْعَقُ وَيَصْعَقُ النَّاسُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ أَوْ قَالَ يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوْ الظِّلُّ نُعْمَانُ الشَّاكُّ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ ((وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)) قَالَ ثُمَّ يُقَالُ أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ فَيُقَالُ مِنْ كَمْ فَيُقَالُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ قَالَ فَذَاكَ يَوْمَ ((يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا )) وَذَلِكَ ((يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ)) )).

 

الدليل الثاني عشر:

 

قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُجَمِّعِ ابْنِ جَارِيَةَ قَالَ ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ أَوْ إِلَى جَانِبِ لُدٍّ)).

 

الدليل الثالث عشر:

 

عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ ((اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ مَا تَذَاكَرُونَ قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ)) رواه الترمذي.

 

الدليل الرابع عشر:

 

عن النواس بن سمعان قال ((ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقَالَ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمْ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنْ الرُّمَّانَةِ وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنْ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنْ النَّاسِ وَاللِّقْحَةَ مِنْ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنْ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ)) رواه مسلم.

 

 

الدليل الخامس عشر:

 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ إِلَى الْأَرْضِ فَيَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَهُ وَيَمْكُثُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يَمُوتُ فَيُدْفَنُ مَعِي فِي قَبْرِي فَأَقُومُ أَنَا وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ). رواه ابن الجوزي والحديث ضعيف، لكن أوردته هنا لأنه صحيح عند القاديانية، وهو شاهد عليهم لأن غلامهم أحمد الدجال لم يدفن في المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما زعم، فهذا دليل على أنه دجال لكذبه الظاهر البين.

 

الدليل السادس عشر:

 

روى أحمد (9349) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ . . . ثم ذكر نزوله عليه السلام في آخر الزمان. ثم قال: فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَدْفِنُونَهُ). صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2182).

 

ثم يموت عليه السلام ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه، وهذا صريح أن من يصلي على عيسى عليه السلام هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلزم من ذلك أنه لم يمت في عصر أتباعه، وأنه يكون نازل في آخر الزمان، بوجود أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون بينهم.

البحث الرابع وهو: جملة الآثار عن الصحابة والتابعين في نزول عيسى عليه السلام من السماء.

 

الأثر الأول:

 

أخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال: ينزل عيسى ابن مريم، فإذا رآه الدجال ذاب كما تذوب الشحمة، فيقتل الدجال، ويفرق عنه اليهود، فيقتلون حتى إن الحجر ليقول: يا عبد الله-للمسلم– هذا يهودي فتعال فاقتله.

 

الأثر الثاني:

 

وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: إن المسيح ابن مريم خارج قبل يوم القيامة.

 

الأثر الثالث:

 

وأخرج الحاكم وصححه، عن أبي الطفيل –وهو صحابي- رضي الله عنه، قال: كنت بالكوفة، فقيل: قد خرج الدجال، فأتينا خذيفة بن أسيد، فقلت: هذا الدجال قد خرج، فقال: اجلس، فجلست، فنودي: إنها كذبة صباغ. فقال حذيفة: إن الدجال لإن خرج في زمانكم لرمته الصبيان بالخذف، ولكنه يخرج في نقص من الناس، وخفة من الدين، وسوء ذات بين، فيرد كل منهل، وتطوى له الأرض طي فروة الكبش، حتى يأتي المدينة، فيغلب على خارجها، ويمنع من داخلها، ثم جبل إيلياء، فيحاصر عصابة من المسلمين، فيقول لهم الذي عليهم: ما نتنظرون بهذا الطاغية أن تقاتلوه حتى تلحقوا بالله أو يفتح لكم، فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا، فيصبحون ومعهم عيسى ابن مريم فيقتل الدجال ويهزم أصحابه.

 

الأثر الرابع:

 

وأخرج بن حميد، وابن المنذر، عن شهر بن حوشب، عن محمد بن علي –هو ابن الحنفية- في قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال: ليس من أهل الكتاب أحد إلا أتته الملائكة يضربون وجهه ودبره، ثم يقال له: يا عدو الله، إن عيسى لم يمت، وإنه رفع إلى السماء، وهو نازل قبل أن تقوم الساعة، فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا آمن به.

البحث الخامس هو: أوقوال علماء المسلمين في رفع عيسى عليه السلام حياً ونزوله آخر الزمان.

 

الأثر الأول:

 

قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في كتابه (اعتقاد أهل السنة والجماعة) ما نصه: "ونؤمن بخروج الدجال الأعور العين، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء).

 

الأثر الثاني:

 

وروى اين أبي يعلى، والخلال، وابن الجوزي في المناقب، عن عبدوس بن مالك أبي محمد العطار، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: "أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك المرآء والجدل والخصومات في الدين، والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء، وإنما هو الاتباع وترك الهوى"... إلى أن يقول: "والإيمان بأن المسيح الدجال خارج، مكتوب بين عينيه كافر، والأحاديث جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ابن مريم عليه السلام ينزل فيقتله بباب لد".

 

الأثر الثالث:

 

وقال الإمام أبو بكر الآجري في كتابه (الشريعة)، وهو كتاب عظيم جداً في الدعوة إلى مذهب أهل الحق والجماعة: باب الإيمان بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام حكماً عدلاً، فيقيم الحق ويقتل الدجال.

 

            حدثنا الفريابي، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا الليث بن سعيد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عطاء بي ميناء، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ)).

 

          وحدثنا عمر بن أيوب السقطي، قال: حدثنا محمد بن يزيد أخو كدخويه، قال: أحبرنا وهب بن جرير، قال: حدثنا هشام، عن قتادة، عن عبد الرحمن بن آدم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( الأنبياء أمهاتهم شتى ودينهم واحد، .. )) الحديث.

 

          وحدثنا أبو أحمد يوسف بن هارون بن زيادة، قال: حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( يوشك أن ينزل ابن مريم حكماً عدلاً ....)) الحديث.

 

قال محمد بن الحسين-هو الآجريّ- رحمه الله: والذين يقاتلون مع عيسى عليه السلام هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والذين يقاتلون عيسى هم اليهود مع الدجال، فيقتل عيسى الدجال، ويقتل المسلمون اليهود، ثم يموت عيسى عليه السلام، ويصلى عليه المسلمون، ويدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

 

أقول: وحديث أنه يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر وعمر هو حديث ضعيف كما بينت سابقاً.

 

وأقول أيضاً هل قاتل غلام القاديانية وأتباعه اليهود، أم أن أتباعه ممن يدافع عن اليهود ويتودد لهم؟.

 

الأثر الرابع:

 

وقال الشيخ العلامة محمد بن أحمد السفاريني السلفي الحنبلي في كتامه المسمى: (لوامع الأنوار البهية):

 

          "ومنها-أي من علامات الساعة العظمي- العلامة الثالثة: أن ينزل من السماء السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، ونزوله ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة" وبعد أن ساق بعض ما أوردناه من الآيات والأحاديث الدالة على نزوله قال: "وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انقعد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية، وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء، وإن كانت النبوة قائمة به وهو متصف بها".

 

أقول: كونه نزل تابعا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك لا ينفي عنه صفة النبوة السابقة له.

 

الأثر الخامس:

 

وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في "التلخيص الحبير" (ص 319).

 

"وأما رفع عيسى - عليه السلام - فاتَّفق أصحاب الأخبار والتفسير على أنه رفع ببدنه حيًّا"، وقال في الفتح (6/267) عند باب ذكر إدريس "إن عيسى رُفِع وهو حي على الصحيح".

 

الأثر السادس:

 

وقال الإمام أبو حيان في تفسيره الصغير المطبوع على البحر المحيط (3/473):

"وأجمعت الأمة على أن عيسى عليه السلام حي في السماء".

 

ونقل عن ابن عطية الغرناطي قوله: "وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى في السماء حيّ".

 

الأثر السابع:

 

قال الشيخ الهرَّاس - رحمه الله -:

 

"وكيف يتوهَّم متوهِّم أن المراد بقوله - تعالى -: ﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ هو رفع روحه؟ وهو إنما ذكر لإبطالِ ما زعموه من قتله وصَلْبه، ورفع الروح لا يبطل القتل والصلب، بل يجامعهما، فإنهم لو قتلوه فرضًا لرُفِعت روحه إلى الله، على أن في إخبارِه - عز وجل - بأنه رفعه إليه ما يشعر باختصاصه بذلك، والذي يمكن أن يختص به عيسى هو رفعه حيًّا بجسده وروحه؛ لأن أرواح جميع الأنبياء - بل المؤمنين - تُرفَع إلى الله بعد الموت، لا فرق بين عيسى وغيره، فلا تظهر فيه الخصوصية، ثم ختم الآية بقوله: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾، يدل على أنه مشهد تجلَّت فيه عزة الله وحكمته، ولا يتم ذلك إلا حيث يكون المشهد غريبًا مثيرًا، فأي غرابة أو إثارة في موته، ثم رفع روحه، وهو كما قلنا عام في جميع المؤمنين (فصل المقال في رفع عيسى - عليه السلام - ونزوله وقتله الدَّجَّال، للشيخ محمد خليل هرَّاس.

 

ويقول أيضا في مكان آخر من نفس الكتاب(صفحة 55): وليس المتبادر من لفظ التوفي هنا هو الإماتة، إلا إذا قطناه عما قبله وعما بعده، أما إذا فهم في سياق الكلا فإنه بيعد جداً أن يراد منه هذا المعنى؛ لأنه لا يتسق مع مكر الله باليهود المقابل لمكرهم بعيسى عليه السلام، ولا مع رفعه عيسى إليه وتطهيره من الذين كفروا؛ لأن مكر الله باليهود يجب أن يكون أمراً معاكساً لما قصدوه، وليس في موت عيسى عليه السلام ما يعاكس مقصودهم، لأن مقصودهم هو التخلص منه ومن دعوته، وكذلك رفعه إليه لا يجوز أن يكون رفع الروح أو المكانه، فإن ذلك أمر معلوم، وهو أيضا عام لجميع الأنبياء، بل لجميع المؤمنين، فلا يصح أن يكون هو مضمون البشارة، بل يجب أن يكون المراد رفعه كله كما تفيده كاف الخطاب في قوله: ((ورافعك)) –آل عمران:55- فإن مرجعها هو شخص عيسى عليه السلام لا روحه، وإلالقال: (ورافع ورحك إليّ)، وإذا تبين أن معنى رفقع إليه هو ضمه وإيواؤه إليه فلا بد أن يكون رفعه حياً، إذ لا يعقل أن يرفعه ميتاً.

 

الأثر الثامن: 

 

وقال الشوكاني - رحمه الله - في فتح القدير (1/344)

 

"إنما احتاج المفسِّرون إلى تأويل الوفاة بما ذكر؛ لأن الصحيح أن الله رفعه إلى السماء من غير وفاة، كما رجَّحه كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير الطبري، ووجهُ ذلك أنه قد صحَّ في الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزولُه وقتله الدَّجَّال.

 

 وأخرج الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الأنبياء إخوة لعلاَّت، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وإني أَوْلَى الناس بعيسى ابن مريم؛ لأنه لم يكن نبي بيني وبينه، وإنه نازل فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصَّران، كأن رأسه يقطر وإن لم يُصِبه بللٌ، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجِزْيَة، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويُهْلِك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويُهلِك الله في زمانه المسيح الدَّجَّال، ثم تقع الأمانة على الأرض، حتى ترتع الأُسُود مع الإبل، والنِّمَار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيَّات لا تضرُّهم، فيمكث أربعين سنة، ثم يُتوفَّى ويُصلِّي عليه المسلمون)).

 

 علات؛ أي: ضرائر. مربوع؛ أي: معتدل القامة بين الطويل والقصير. ممصَّران؛ أي: فيهما صُفْرة خفيفة. الأمانة؛ أي: الأمنة والسلام. ترتع؛ أي: تلعب.

 

الأثر التاسع:

 

قال ابن الأثير في النهاية: (3/291)

 

"أولاد العلاَّت: الذين أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد، وأراد أن إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة".

 

 وأحاديث نزول عيسى ابن مريم - عليه السلام - من السماء وقتله للدجال متواترة تواترًا معنويًّا، وممَّن صرَّح بتواترها: العلاَّمة الطبري، والنووي، والقاضي عِياض، وابن حجر، وابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وابن كثير، والعلاَّمة الأُبُّي، وابن عطية، وأبو حيان الأندلسي، والشوكاني، والألوسي، ومحمد صديق حسن خان، ومحمد حبيب الله الشنقيطي، والسفَّاريني، والكتاني، والكشميري، والألباني، والشيخ أحمد شاكر، والكوثري، والغماري.

 

 الأثر العاشر:

 

وقال الطحاوي:

 

"ونُؤمِن بخروج الدَّجَّال الأعور العين، ونزول عيسى ابن مريم - عليه السلام - من السماء"... إلى أن قال: "والإيمان بأن المسيح الدَّجَّال خارج مكتوب بين عينيه كافر، والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ابن مريم - عليه السلام - ينزل فيقتله بباب لُدٍّ" شرح الطحاوية

 

 الأثر الحادي عشر:

 

ويقول الآجري في كتابه "الشريعة":

 

"باب الإيمان بنزول عيسى ابن مريم - عليه السلام - حَكَمًا عدلاً، فيقيم الحق ويقتل الدَّجَّال"، قال: "والذين يقاتلون مع عيسى - عليه السلام - هم أمةُ محمد - صلى الله عليه وسلم - والذين يقاتلون عيسى هم اليهودُ مع الدَّجَّال، فيقتل عيسى الدَّجَّالَ، ويقتل المسلمون اليهودَ، ثم يموت عيسى ويصلِّي عليه المسلمون، ويدفن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما".

 

الأثر الثاني عشر:

 

وقال السفاريني في "لوامع الأنوار البهية" (2/94):

 

"ومنها - أي من علامات الساعة العظمى - العلامة الثالثة: أن ينزل من السماء المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام - ونزوله ثابت بالكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة"، ثم قال: "وأما الإجماع، فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممَّن لا يُعتدُّ بخلافه".

البحث السادس: فتوى علماء المسلمين في نزول عيسى عليه السلام وحكم من ينكر ذلك.

 

سئل علماء اللجنة الدائمة :

 

 

هل عيسى بن مريم حي أو ميت ؟ وما الدليل من الكتاب أو السنَّة ؟ إذا كان حيّاً أو ميتا : فأين هو الآن ؟ وما الدليل من الكتاب والسنَّة ؟ .

 

فأجابوا : " عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حيٌّ ، لم يمت حتى الآن ، ولم يقتله اليهود ، ولم يصلبوه ، ولكن شبِّه لهم ، بل رفعه الله إلى السماء ببدنه وروحه ، وهو إلى الآن في السماء ، والدليل على ذلك : قول الله تعالى في فرية اليهود والرد عليها : ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء/ 157 ، 158 . 

فأنكر سبحانه على اليهود قولهم إنهم قتلوه وصلبوه ، وأخبر أنه رفعه إليه ، وقد كان ذلك منه تعالى رحمةً به ، وتكريماً له ، وليكون آية من آياته التي يؤتيها من يشاء من رسله ، وما أكثر آيات الله في عيسى ابن مريم عليه السلام أولاً وآخراً ، ومقتضى الإضراب في قوله تعالى : ( بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ) : أن يكون سبحانه قد رفع عيسى عليه الصلاة والسلام بدناً وروحاً حتى يتحقق به الرد على زعم اليهود أنهم صلبوه وقتلوه ؛ لأن القتل والصلب إنما يكون للبدن أصالة ؛ ولأن رفع الروح وحدها لا ينافي دعواهم القتل والصلب ، فلا يكون رفع الروح وحدها ردّاً عليهم ؛ ولأن اسم عيسى عليه السلام حقيقة في الروح والبدن جميعاً ، فلا ينصرف إلى أحدهما عند الإطلاق إلا بقرينة ، ولا قرينة هنا ؛ ولأن رفع روحه وبدنه جميعاً مقتضى كمال عزة الله ، وحكمته ، وتكريمه ، ونصره مَن شاء مِن رسله ، حسبما قضى به قوله تعالى في ختام الآية ( وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ).

 

(الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن غديان , الشيخ عبد الله بن قعود ).

 

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري من كتاب أصول الدين الإسلامي:

 

فعيسى عليه السلام لم يمت بل رفعه الله إليه .. وسينزل قبل يوم القيامة ويتبع محمداً صلى الله عليه وسلم  .. وسيكذب اليهود الذين زعموا قتل عيسى وصلبه .. والنصارى الذين غلوا فيه وقالوا هو الله .. أو ابن الله .. أو ثالث ثلاثة. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما ًمقسطاً فيكسر الصليب و يقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ) . متفق عليه أخرجه مسلم برقم   155.

 

 

 

حكم من أنكر نزول عيسى عليه السلام

 

فتوى للشيخ العلامة عبد العزيز بن باز:

 

فالدجال والمسيح ابن مريم ويأجوج ومأجوج ؛ هؤلاء الثلاثة ليس فيهم شك ولا ريب تواترت فيهم الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأما المهدي فقد تواترت فيه الأخبار أيضاً ، وحكى غير واحد أنها تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن لبعض الناس فيها إشكال وتوقف ، فقد يُتوقف في كفر من أنكر المهدي وحده فقط .

 

أما من أنكر الدجال أو المسيح ابن مريم أو يأجوج ومأجوج فلا شكَّ في كفره ولا توقف وإنما التوقف في من أنكر المهدي فقط ، فهذا قد يُقال بالتوقف في كفره وردته عن الإسلام ؛ لأنه قد سبقه من أشكل عليه ذلك ؛ والأظهر في هذا والأقرب في هذا كفره ، وأما ما يتعلق بيأجوج ومأجوج والدجال والمسيح ابن مريم فقد كفر نسأل الله العافية" انتهى .

 

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

 

"فتاوى نور على الدرب" (1/355).

 

رابط الفتوى: http://www.binbaz.org.sa/mat/21563

 

 

فتوى الشيخ الشنقيطي:

 

يقول الشيخ الشنقيطي صاحب كتاب (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم).

 

"تنبيه: يجب شرعاً اعتقاد أن عيسى عليه الصلاة والسلام لا زال حياً إلى الآن، وأنه لا بد أن ينزل آخر الزمان حاكماً بشرع نبينا عليه الصلاة والسلام، ومجاهداً في سبيل الله، كما تواتر عن الصادق المصدوق، وإنما وجب اعتقاد ذلك لأن الله تعالى أخبر في كتابه العزير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن اليهود ما قتلوه، وأنه تعالى رفعه، كما قال تعالى: ((وما قتلوه يقينا،بل رفعه الله إليه))، وقد وردت الأحاديث المتواترة أنه ينزل في آخر الزمان حكماً عدلاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزيل، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، وغير ذلك من الأحاديث المصرِّحة بنزوله وبمدته حياً في الأرض بعد نزوله، ولم يصح حديث بموته تمكن معارضته لما سح بالتواتر من نزوله في آخر الزمان.

 

وإذا أخبر القرآن أنه رفع ولم يقتل، وبين النبي صلى الله عليه وسلم لنا أنه سينزل في آخر الزمان، وفصّل لنا أحواله بعد نزوله تفصيلا رافعاً لكل احتمال: وجب اعتقاد ذلك على كل مسلم.

 

ومن شكل فيه فيكون كافراً بإجماع الأمة: لأنه مما عُلِمَ من الدين ضرورة بلا نزاع، وكل إيراد عليه من الملاحدة والجهلة باطل؛ لا ينبغي لكا من اتصف بالعلم أن يلتفت إليه." انتهى كلامه.

 

فتوى ثانية لابن باز رحمه الله تعالى:

 

وأما من زعم أنه قد قتل أو صلب فصريح القرآن يرد قوله ويبطله وهكذا قول من قال إنه لم يرفع إلى السماء وإنما هاجر إلى كشمير وعاش بها طويلا ومات فيها بموت طبيعي وإنه لا ينزل قبل الساعة وإنما يأتي مثيله فقوله ظاهر البطلان بل هو من أعظم الفرية على الله تعالى والكذب عليه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

فإن المسيح عليه السلام لم ينزل إلى وقتنا هذا وسوف ينزل في مستقبل الزمان كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما تقدم يعلم السائل وغيره أن من قال إن المسيح قتل أو صلب، أو قال إنه هاجر إلى كشمير ومات بها موتا طبيعيا ولم يرفع إلى السماء، أو قال إنه قد أتى أو سيأتي مثيله، وإنه ليس هناك مسيح ينزل من السماء فقد أعظم على الله الفرية بل هو مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن كذب الله ورسوله فقد كفر، والواجب أن يستتاب من قال مثل هذه الأقوال، وأن توضح له الأدلة من الكتاب والسنة فإن تاب ورجع إلى الحق وإلا قتل كافر.

 

ابن بار رحمه الله تعالى

 

رابط الفتوى: http://www.binbaz.org.sa/mat/8215

 

 

انتهى هذا البحث ولله الحمد والمنة.

 

 

المراجع:

 

  • القاديانية دراسات وتحليل – تأليف الاستاذ إحسان إلهي ظهير. (وقد نقلت الكثير من هذا الكتاب بالنص ولم أشر لذلك لتصرفي في معظم النصوص)

  • كتاب فصل المقال في نزول عيسى وقتله الدجال - تأليف محمد خليل هراس.

  • كتب غلام أحمد القادياني، وكتب أتباعه.

  • ((رابط لجميع كتب روحاني خزائن: http://www.alislam.org/urdu/rk/)).

 

 

 

ملاحظة: يحق لكل مسلم نشر الموضوع لكن مع ذكر المصدر

bottom of page